حقوق الإنسان: حرية التنقل فى زمن الكورونا
Updated: Mar 20, 2020
تشكل الأوبئة تحدياً عالمياً يؤثر على جميع قطاعات المجتمع وتعرض كل فرد وفئة مجتمعية للخطر، بغض النظر عن الوضع الإجتماعى أو الاقتصادى أو العرقى لكل تلك الفئات. ويتبع هذا التحدى قيوداً على حرية الإنسان، منها حقه فى حرية التنقل، وهو حق محمى بموجب القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية. وتتخذ هذه القيود صورًا منها المنع من السفر أو حرية التنقل داخل الدولة أو الحجر الصحى أو العزل وكذلك إعلان حالة الطوارئ للصحة العامة. وظهر ذلك جليًا بعد إعلان منظمة الصحة العالمية World Health Organization فى تاريخ 11 مارس أن كورونا COVID-19 i يعتبر جائحة عالمية pandemic، وذلك اللقب دال علي سرعة انتشار ومدى تأثير الفيروس على العالم.[1]

على آثر تلك الجائحة تسارعت العديد من الدول فى إعلان حالة الطوارئ للصحة العامة ومنع التجمعات وتأجيل الدراسة او جعل العمل والدراسة عن بعد ودعوة المواطنين بإلزام منازلهم للحد من انتشار الفيروس ولكن فى أثناء الاستجابة العالمية تثار وبلاشك العديد من التحديات والمسائل القانونية. منها ما يثور بشأن مدى إمكانية الحد من حرية التنقل للأشخاص في مواجهة جائحة عالمية في ظل القانون المصري والقانون الدولي لحقوق الأنسان والمواثيق الدولية المؤكدة علي حق التنقل؟ علي الأخص، هل يجوز من الناحية القانونية فرض قيود علي حرية التنقل للأشخاص في مواجهة تلك الجائحة؟ وإن كان يجوز فما الشروط الواجبة توافرها لإستخدام هذه القيود من قبل الحكومات؟ ولأي مدي؟ وكذلك متى توصف تلك القيود بأنها انتهاكات؟ سنتناول كل ذلك بالطرح تاليًا
كفالة حق الأشخاص في التنقل في القانون
بادئ ذى بدء حق الحرية فى الحركة والتنقل هو من الحقوق الأساسية اللصيقة بالإنسان، أى ليس امتياز منحه أياه قانون أو حكومة. ولذلك لا يحق لأى قانون وضعى أن يقيد أو يحد من هذه الحرية، وتتمثل هذه الحرية فى حق الإنسان فى الانتقال داخل الدولة أو خارجها والسفر والعودة متى شاء دون التعرض للتوقيف أو الاعتقال أو التسليم لأى دولة اخرى. ولذلك كل القوانين الداخلية تشمل هذا الحق بالحماية وتعاقب على انتهاكه. وقد ورد الحق فى حرية التنقل والحركة فى العديد من المواثيق الدولية.
القانون الدولي لحقوق الأنسان

أهم تلك المواثيق الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى اعتمد عام ١٩٤٨ من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة و المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية. ومن ثم أصبح ذلك الحق مقبول ومكفول على نطاق دولي واسع لدرجة أن صفته غير الملزمة قد تغيرت واصبح يشار لجزء كبير منه بوصفه ملزماً قانونياً كقانون دولى عرفى، وقد اُستلهمت من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عشرات المواثيق الدولية والإقليمية والمئات من الدساتير والتشريعات المحلية الأخرى.[2]
حيث نص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى المادة (١٣) منه على أن :
لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة.
يحق لكل فرد أن يغادر أية بلد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه.
وفي عام 1966 تم اعطاء هذا الحق بعدا الزاميًا قانونيًا أكثر قوة وذلك في المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 12 التي جاء فيها: [3]
لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته.
لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.
حق الشخص في الدخول إلى بلده.
القانون المصري

وأكدت المحكمة الإدارية العليا المصرية هذا الحق أيضا فقد جاء فى حكماً لها أن: حرية التنقل تنخرط فى مصاف الحريات العامة المصونة بالدستور، وتتصل بمفهوم الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها دون سند من الدستور أو القانون [4]
وكذلك اعتبرت المحكمة الدستورية العليا فى مصر، حرية التنقل من الحقوق التى تتكامل بها الشخصية الإنسانية، التى تعكس حمايتها التطور الذي قطعته البشرية نحو مثلها العليا، وهو حق يتصل بالحرية الشخصية معززا لصونها من العدوان.[5] وتجدر الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية، والتي تكون جزءاً كبير من مصادر القانون المصري، كانت سباقة فى الاهتمام بالحريات الشخصية للإنسان حيث اتخذت من الحرية الفردية بشكل عام دعامة أساسية بالنسبة لكل ما سنته للناس من عقائد ونظم تشريعية وما يهمنا فى هذا الصدد هو حرية التنقل ومثاله قوله تعالى (هُو الذّي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور). [6]
القيود الممكنة علي حق التنقل في ظل انتشار كورونا
نصت الفقرة 3 من المادة 12 من المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية -السالفة الذكر- على ظروف استثنائية يمكن فيها تقييد الحقوق المكفولة بموجب الفقرتين 1 و2. فالفقرة 3 تجيز لأي دولة تقييد هذه الحقوق فقط لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم. ويستوجب السماح بهذه القيود أن ينص عليها القانون، وأن تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي لحماية هذه الأغراض، وأن تكون متسقة مع جميع الحقوق الأخرى المعترف بها في العهد. [7]
كما إن الدساتير قد أقرت صراحة إن حرية التنقل لا يجوز تقيدها إلا بموجب القانون، وقد يكون التنفيذ الدستوري ناشئ عن حالة (الضرورة) أي حدوث ظروف استثنائية طارئة كالحرب أو انتشار وباء أو عصيان أو تمرد من شأنه يمنح السلطة التنفيذية (رئيس الدولة) أو (رئيس الوزراء) سلطات واسعة تضيق من نطاق ممارسة الحقوق والحريات العامة بما فيها حرية التنقل ومثال على ذلك المادة(16) في دستور فرنسا والمادة (74) من دستور مصر لسنة (1971). وعلى ذلك يجوز للدول اتخاذ ما تراه من تدابير حتى وإن كان من شأنها تقييد الحريات للحد من تفشى فيروس كورونا بشرط أن تتوافق ومبدأ التناسب وعدم التمييز.
كذلك جاء فى احكام مجلس الدولة المصري "إن حرية التنقل من مكان إلى آخر ومن جهة إلى أخرى والسفر خارج البلاد مبدأ أصيل وحق دستورى مقرر للأفراد ولا يجوز المساس به ولا تقييده إلا لصالح المجتمع وحمايته والحفاظ على سمعته وكرامته وبالقدر الضروري لذلك"[8] وفى بعض العهود الإسلامية كان هناك ظروفا استدعتها المصلحة العامة حدت وقيدت من حرية التنقل والسفر، منها ما كان عائدا الى اسباب صحية صرفة، كقول النبى (صلي الله علية وسلم): "إذا ظهر الطاعون في بلد وانتم فيه فلا تخرجوا منه، وإذا سمعتم به وانتم خارجه فلا تدخلوه". يوجد أيضاً نصوص بقانون العقوبات والإجراءات الجنائية والتي من شأنها تقييد حرية الأفراد، بل ومن الممكن تجريم أفعالهم ومعاقبتهم جنائياً في ظل إنتشار فيروس كورونا.

وعلى ذلك فإنه يجوز تقييد هذه الحرية لاعتبارات تتعلق بالأمن القومى والصحة العامة، بشرط أن ينص القانون على هذه القيود ويتولى تنظيمها بالقدر الكافى فقط لتخطى مرحلة الخطر دون التوسع فى ذلك وإلا ستمثل انتهاكا لحرية التنقل المكفولة بموجب المواثيق والقوانين. لذلك يجب أن تتماشى التدابير التقييدية مع مبدأ التناسب؛ أى أن تكون ملائمة لتحقيق وظيفتها الحمائية بأقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة؛ ويجب أن تكون متناسبة مع المصلحة التي ستحميها. ومن هذه القيود هى القيود الدستورية التنظيمية: وقد حددتها بعض التشريعات الدستورية كالحفاظ على النظام العام أو عناصره كالصحة والسكينة والأخلاق العامة وغيرها. وقد بينا في مقال سابق كيف من الممكن أن يتحقق ذلك في ظل القانون المصري، عندما ناقشنا أمكانية مسائلة حامل فيروس كورونا جنائيًا إذا ما نقل قاصدًا أو غير قاصد هذا الفيروس القاتل إلى غيره، خاصة مع تصدر مشاهد بعض الأشخاص الذين يعمدون إلى نشر الفيروس بكل الطرق الممكنة من خلال المرافق العامة أو المواصلات أو غيرها من الطرق.
الانتهاكات القانونية والأخلاقية المحتملة اثناء تدابير الاستجابة لفيروس كورونا
انتهاكات لحق التنقل
يجب أن تكون التدابير المتخذة تهدف لحماية الصحة العامة وان تكون ضرورية وديمقراطية، ومصممة بشكل ضيق ومحدود المدة على سبيل المثال ٣٠ أو ٦٠ يوماً، وأن تخضع هذه الإجراءات والتدابير للرقابة التشريعية والقضائية. ولكن شهد الواقع العملى العديد من الانتهاكات واستخدام لهذه الرخصة على نحو خاطئ حيث تستخدم بعض الحكومات فيروس كورونا كذريعة لتحقيق أهداف غير مشروعة، على سبيل المثال لقمع المعارضة كما يحدث فى العراق.
الصين قد وقعت في ذلك الخطأ ايضا عند بدأ إنتشار الفيروس، وفقا لمنظمة العفو الدولية قد قامت الحكومة الصينية في وقت سابق على إعلان الفيروس بإسكات الأطباء في ووهان عندما أباحوا بمخاوفهم بشأن المرضى الذين يعانون من أعراض مشابهة لانتشار مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، والذي قد بدأ في جنوب الصين في عام 2002. حيث عاقبت السلطات المحلية أولئك الأطباء على الفور بتهمة نشر الشائعات، وهو ما قد يري كأنتهاك لحماية حقوق الأفراد لا حمايتها.[9]
ويلاحظ أن العديد من الدول التى أعلنت حالة الطوارئ للصحة العامة كإيطاليا وكوريا الجنوبية وأيسلندا وعدة ولايات فى الولايات المتحدة الأمريكية تميل إلى إعطاء سلطات واسعة للسلطة التنفيذية. وقد أدرك القانون الدولي لحقوق الإنسان منذ فترة طويلة أن الحكومات قد تنتهك الحقوق المدنية والسياسية لأغراض الصحة العامة. وبالتالي، فإن استخدام الحكومات للعزلة والحجر الصحي لوقف انتشار الاوبئة قانوني في حد ذاته بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. بشرط أن تستوفى الحكومات شروط معينة قبل التدخل في حق مدني أو سياسي لأسباب تتعلق بالصحة العامة. وهذه الشروط على النحو التالى:[14]
يجب أن ينص القانون على تدابير الصحة العامة التي تقيد الحقوق المدنية والسياسية.
ان تطبق التدابير بطريقة غير تمييزية.
أن تتعلق بمصلحة عامة ملحة في شكل خطر معدي كبير على صحة الجمهور.
أن تكون ضرورية لتحقيق حماية الجمهور بمعنى أن يكون التدبير مستندًا إلى المعلومات والمبادئ العلمية والصحية العامة.
أن يتناسب في تأثيره على حقوق الأفراد في خطر الأمراض المعدية.
أن يكون أقل تدبير ممكن لتحقيق الحماية من مخاطر الأمراض المعدية.

انتهاكات اخرى لحقوق أنسان
كذلك قامت الصين بقمع تقارير المخبرين وحجبت معلومات حاسمة وقللت من التهديد الذى يشكله الفيروس الجديد، مما سمح بانتشار الوباء الذى قتل الآلاف فى جميع أنحاء العالم وهذا يعد انتهاك للحق فى حرية التعبير والحق فى البحث عن المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها، وعليه دخلت الصين في سلسلة من الأنتهاكات وتسببت في كارثة عالمية. والان يحاول الحزب الشيوعى الحاكم، الذى يواجه عاصفة من الغضب من الجمهور الصينى بسبب أخطائه، إعادة تكوين صورته واظهار نفسه كزعيم قوى فى المعركة العالمية ضد فيروس كورونا.[10] وهذا أيضا ما روجت له منظمة الصحة العالمية دون كلل متجاهلة ما يحدث من انتهاكات وما ينص عليه دستورها من ضرورة حماية الحقوق الإنسانية.[11] وهذا ليس بجديد على الصين فى تعاطيها مع الأوبئة حيث انتهجت ذات المسلك أثناء تفشى السارس فى 2003 واحجمت عن التعاون وتبادل المعلومات حول الأحداث المرضية غير المعتادة في مقاطعة قوانغدونغ، والتي لوحظت في وقت مبكر من نوفمبر 2002، وأعلنت الصين فى فبراير فقط عن المرض مما ساهم في الانتشار الإقليمي والعالمي للمرض الجديد.[12] كذلك هناك تقارير تفيد بأن الصين انتهكت القانون الدولى بتقييد الوصول إلى الخدمات الصحية على أساس دين وعرق المريض حيث أجبرت الأيغور على العمل فى المصانع التى كانت مغلقة سابقا بسبب خطر الإصابة بفيروس كورونا غير مبالية بسلامتهم. [13]
الخاتمة
وعليه نلاحظ ان الضرورة فقط قد جعلت من وضع قيود على حرية التنقل أمرًا مقبولًا فى وقت أنتشار الأوبئة والفيروسات للحفاظ على الأمن العالمى والصحة العامة. لأن حرية التنقل وأن كانت أساسية ولصيقة بالإنسان، الا إنها وبالرغم من ضرورتها قد تساهم وبشكل كبير فى سرعة انتشار الفيروسات. هذا مقبول عقلًا وعملًا، ولكن يجب وضع معايير ثابتة وأكثر وضوحًا للأفراد علي الاستثناءات االتي قد ترد علي الحق فى حرية التنقل، وأي حق أساسي من حقوق الإنسان الإخري حتي لا تشكل هذه القيود مخاطر جسيمة وسلسلة من الانتهاكات اللامتناهية على حقوق الإنسان. انتهاكات تجد مفرًا من المسائلة وتهدد الكوكب أجمع.
بقلم : آلاء بسيوني
وليد الفرس
[1] https://www.facebook.com/1463440987241048/posts/3031394987112299/ [2] https://www.un.org/en/universal-declaration-human-rights/index.html [3] http://hrlibrary.umn.edu/arabic/hrc-gc27.html [4] http://www.laweg.net/Default.aspx?action=LawEg&Type=16&JID=91246&%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-%D9%88%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA [5] حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4 نوفمبر 2000، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية، السنة 21 دستورية . [6] سورة الملك، الأية ١٥ [7] http://hrlibrary.umn.edu/arabic/hrc-gc27.html [8] https://bit.ly/2QkvUIE [9] https://www.amnesty.org/en/latest/news/2020/02/explainer-seven-ways-the-coronavirus-affects-human-rights/ [10] https://www.justsecurity.org/69141/pandemics-and-human-rights/ [11] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/human-rights-and-health [12] https://www.hrw.org/news/2020/01/30/china-respect-rights-coronavirus-response [13] https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/02/26/coronavirus-brings-new-awful-repression-uighurs-china/ [14] https://www.asil.org/insights/volume/8/issue/7/sars-and-international-lawذ