هل المحاماة مجني عليه أم جاني؟
تساؤل دائماً ما يشرُد الذهن إليه في كل مرة أطالع فيها مؤلفاً يتطرق من قريبٍ أو من بعيد لبداية مهنة المحاماة وولوجها داخل المجتمع المصري، وبالتبعية المجتمع العربي، ما هي أسباب ظهور فئة جديدة من الممارسين انخفضت لديهم معدلات الأخلاق المهنية الواجب توافرها في شخص المحامي.

حيث يبدو من الاستقراء الظاهري للأمر أن هذه الفئة من الممارسين بدأت تنتشر تدريجياً بشكل ملحوظ، الأمر الذي أدى إلى حذر البعض وتخوفهم من التعامل مع المحامين في كافة البلدان العربية، والذي انعكس بالسلب على المهنة وعلى كافة المحامين.
من وجهة نظري أن الأمر جد خطير وليس ظاهرة عابرة، فالمحامي هو المؤتمن على أسرار عملائه المتحصن بالأمانه والأخلاق المهنية وكذلك بعلمه ومهاراته القانونية، إذاً من السبب!!؟ هل أصبح التعليم القانوني أو نقابات المحاماة لا تزرع أخلاقيات السلوك المهني في طلاب القانون أو المحامين المبتدئين بالشكل الكافِ!؟ أم عدم وضع نقابات المحاماة لعقوبات صارمة رادعة لمخالفة الواجب المهني، أم فساد المجتمعات هو السبب في فساد مهنة المحاماة، لأن غالبية المتقاضين يبحثون عمن يلبي رغباتهم وطلباتهم والتي ليست بالضرورة أن تكون مشروعة، فمثلاً أصبح أشهر المحامين البارزين والمطلوبين في مجال الضرائب هم من يمتلكون وسائل غير مشروعة لتهريب عملائهم من الضرائب، فهل فساد المجتمع هو من صنع هذه الفئة من المحامين، التي أضرت بالمهنة ككل!؟ أياً كانت الإجابة على التساؤلات السابقة، الموضوع يحتاج إلى تدخل قوي لإعادة تصحيح المسار.

فالمحاماة مهنة النبلاء لأنها تقوم على النزاهة والصدق وترسيخ العدل والترفع عن الحقد والفجور في الخصومة، فإن جزءاً من بناء شخصية المحامي يجب أن يوجه لغرس تلك القيم، وهذا دور أستاذ القانون في قاعة المحاضرات وفي نقاشاته مع طلابه، ودور الأستاذ المحامي في مكتبه مع المحامين المتمرنين! و هنا أتذكر قول العميد ليون ديجي، عميد مدرسة الحقوق الخديوية ( حقوق القاهرة الآن ) وأستاذ القانون في جامعة السوربون "ليس للقانون أي ضابط سوى أخلاق وأمانة وصدق الرجال الذين يطبقونه" وأيضاً ما ذكره عبد الرحمن الرافعي نقيب المحامين عام 1954 عندما تحدث عن المحاماة فقال "إن المحاماة علم وخلق ونجدة وشجاعة، وثقافة وتفكير، ودرس وتمحيص، وبلاغة وتذكير، ومثابرة وجلد، وثقة في النفس، واستقلال في الرأي، وأمانة واستقامة، وإخلاص في الدفاع" ونلاحظ هنا أنه عندما وصف المحاماة بدأ بهاتين الصفتين ( علم وخلق ) لذا فإننا لن نكون قدوة ونموذج يحتذى به مهما بلغ عِلمُنا، مادامت سلوكياتنا وممارساتنا تننافى مع الاخلاق، فالاخلاق تؤامة العلم.
بقلم مصطفي جمال