top of page

المسئولية الجنائية لحامل فيروس كورونا!

Updated: Mar 20, 2020

لم يكن يبدر بخيال أكثر المتشائمين أن يكون الجنس البشرى هو الذي يلعب دور البطل الرئيسى فى الأفلام الخيالية الشاهدة على فناء البشر بفعل الفيروسات القاتلة أو مصاصى الدماء أوغيرهم، لكن فى هذه الأيام يصبح الجنس البشري هو الشاهد على فنائه بفعل فيروس كوفيد-19 (كورونا) القاتل.

لمكافحة انتشار الوباء العالمى ـ على حد وصف منظمة الصحة العالمية ـ فى بلدان العالم اجمع. تبادر الى الذهن مدى امكانية مسائلة حامل الفيروس جنائيا اذا ما نقل قاصدا او غير قاصد هذا الفيروس القاتل الى غيره، خاصة مع مشاهدة بعض الاشخاص الذين يتعمدون نشر الفيروس

ولعل الذى ساقنا إلى هذا البحث هو خلو أحكام القضاء وكتب الفقة من هذا المجال خاصة وأن عام 1918 كان مسرح الأحداث الأخير لوباء شبيه بذلك وهى الإنفلونزا الأسبانية. ورجحان ذلك الطرح يجيب على تساؤل: هل يمكن أن يُنسب إلى حامل الفيروس جريمة جنائية؟ وللإجابة على هذا التساؤل يجب علينا أن نضع هذا الفعل في القالب الذى يقبله، وعلى ذلك نبحث فى إمكانية مسائلة حامل الفيروس عن قتل عمد أو قتل خطأ أو شروع فى قتل.





اولاً: مدى إمكانية مسائلة حامل الفيروس عن قتل عمد

تحكم جريمة القتل العمدي في القانون المصرى المادة 234 وما قبلها، القائلة "من قتل نفسًا عمدًا من غير سبق إصرار ولا ترصد يُعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد". ونحن هنا افترضنا وأياكم أن القتل وقع بغير إصرار أو ترصد أى فى صورته البسيطة، فمن كان حاملاً للفيروس وهو عالم بذلك وأراد أن يقتل أحد الأشخاص المُعينين مسبقًأ أو أى شخص دون تعيّن هل يعاقب بنص المادة السابقة؟ يشترط أولاً لتطبيق نص المادة السابقة أن يكون حامل الفيروس عالمًا بحمله له لأن هذه الجريمة الركن المعنوى فيها هو القصد الجنائى ويشترط لتوافر القصد الجنائى العلم بخطورة الفعل على المصلحة المحمية جنائيًا، فيدور علم حامل الفيروس بحمله وجودًا وعدمًا مع القصد الجنائى –مباشر كان أو احتمالى- وبالتالى مع الجريمة ذاتها. ويشترط ثانيًا العلم بأن هذا الفيروس قاتل فإذا لم يكن حامل الفيروس على علم بأنه قاتل فلا يمكن إسناد جريمة القتل العمدى له، ولا يخفى على أحد أن هذا الفيروس وإن تأخرت نتيجته أو لم تحدث من الأساس فلا يمس ذلك وصفه بالقاتل وذلك على حد وصف منظمة الصحة العالمية. ويشترط ثالثًا أن تقع النتيجة النهائية وهى الوفاة، فإذا لم تقع الوفاة على الرغم من أن حامل الفيروس قصدها فلا يمكن مسائلته عن قتل عمد وإن أمكن مسائلته عن شروع في قتل كما سنوضح. هذه الشروط هى الشروط الخاصة بالفيروس فقط دونًا عن الشروط المتعلقة بجريمة القتل العمد بصفة عامة من وجوب أن يحصل القتل على إنسان حى وعلاقة السببية وغيرها من الشروط العامة. فإذا وقعت جريمة القتل بهذه الشروط مع الشروط العامة فلا مانع من أن يُسأل الشخص حامل الفيروس عن قتل عمد خاصة وأن النص سالف البيان لم يحدد صورة للسلوك الإجرامي.


ثانيًا: مدى إمكانية مسائلة حامل الفيروس عن شروع في قتل

يثور التساؤل عن المسائلة الجنائية إذا عمد أحد الجيران إلى أن يبصق فى وجه أحد جيرانه أو السلام عليه بالأيدي قاصدًا قتله ولكن لم تتحقق النتيجة لفعل خارج عن إرادة حامل الفيروس؟ الشروع على حسب ما عرفته المادة 45 من قانون العقوبات يجب أن يحتوى على ثلاث أركان أولهما البدء في التنفيذ وثانيهما القصد الجنائي وثالثهما عدم تحقق النتيجة لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها. فإذا بادر الفاعل إلى نقل فيروس كورونا القاتل إلى أحد الأشخاص قاصدًا بذلك قتله ولكن الوفاة لم تتحقق لسرعة الرعاية الطبية أو قطع علاقة السببية أو أى سبب أخر فإن أركان جريمة الشروع فى القتل تكون متوافرة، فهو بالفعل بدء فى تنفيذ جريمته مصحوبة بالقصد الجنائى الذى ينم عن نية إجرامية ولكن الوفاة لم تحدث فبذلك تكون أركان هذه الجريمة متوافرة وقياسًا على ذلك حكمت محكمة النقض بتوافر شروع فى جريمة قتل بالتسميم ولو كانت المادة المستعملة غير كافية أو غير ضارة عن جهل من الجاني ما دام قد قصد بها القتل وظهر قصده بأفعال مقاربة للجناية.



ثالثًا: مدى إمكان مسائلة حامل الفيروس عن قتل غير عمدى

أفردت المادة 238 صور للقتل غير العمدي وهى الإهمال والرعونة وعدم الاحتراز وعدم مراعاة القوانين واللوائح. ورب متعجب عن مدى إمكان حدوث هذه الجريمة لاسيما وأن حامل الفيروس لو كان يعلم أنه حامله وسارع بنشره فإنه سيسأل عن جريمة قتل تامة أو شروع على حسب النتيجة فكيف يمكن إنساب قتل خطأ لحامل الفيروس؟







هذا التعجب سرعان مايزول إذا تمعنّا فى المثال التالى: لو فرضنا أن هناك شخص طبيعي ظهرت عليه أعراض هذا المرض وفرضت عليه قرارات رئيس الوزراء ووزارة الصحة ضرورة الفحص للتأكد من عدم حمله للفيروس وبالرغم من كل ذلك أهمل فى الفحص ولم يراعِ القرارات الوزارية بالرغم من تمكن أعراض الفيروس منه ومارس نشاطته اليومية بصورة طبيعية ترتب على ذلك نقل المرض إلى المخالطين له وتوفى أحدهم وبعد ذلك تم فحصه وتبين أن الفيروس متوافر فيه منذ فترة، فلا يوجد ما يمنع من إمكان مسائلة حامل الفيروس عن جريمة قتل غير عمدي.


ولعل سخرية القدر تجعل منك مذنبًا ومريضًا فى ذات الوقت مع إن إرادتك لم يكن لها دخل فى ذلك قط، ولا يسعنا إلا التنوية إلى اتباع سُبل السلامة والحيطة لاتقاء هذا الفيروس اللعين من أجل صحتك أولاً ومن أجل البعد عن المسئولية الجنائية ثانيًا.


كتب القانون الجنائي مكتبة كتب علوم سياسية و قانونية

160 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page