المُحاماة في السنوات الأولى: كفاءة مزيفة أم رحلة عظيمة؟
Updated: Jan 13, 2021

هل أنت مُحامي؟
هل تجاوزت أي حواجز أخلاقية مؤخراً لم تظن نفسك مُجاوِزها يوماً ما بحيث أصبحت سهلة إلى حد عدم التفكير مرتين قبل فعلها؟
هل أمسيت تبحث عن دليل دامغ لإقامة الحُجّة على أتفه المناقشات مع أصدقاءك في أدراج التواصل الاجتماعي، أو حتى على المقهى؟
لا تستغرب! أنت محامي، محامي محترف. أنت تفكر كمحامي!
كمحامي، هل تعلم أن المُحاماة حرفة تَتَجسَّدْ في الحرفة، وليست فقط الشخصية!
هل أدرت لِحاظك ولو لوهلة إلى مدى التأثير الذي يُضفيه عليك إحترف المحاماة؟ هل أدرت لِحاظك ولو لوهلة إلى مدى التأثير الذي يُضفيه عليك احتراف المحاماة؟
أكمل قراءة.

الجميع يتكلم عن الكاريزما وعن الشخصية القانونية وتآثير تلك الشخصية علي نتائج المحامي، لكن القليل من يتكلم عن تآثير المحاماة علي شخص المحامي. لكلّ حرفة بصمتها على حياة صاحبها وشخصيّته. هذا الكلام لا غُبار عليه، خصوصاً عندما نتحدث عما قد توفّره هذه الحرفة لك من مهارات خاصة أو من تخصص عملي ومعرفي ومنهج تفكير. من روتين ما ودخل مادي منتظم أو عشوائي مع استقرار أو عدم استقرار مكاني، ومدى الاستمتاع بالحرفة في حدّ ذاتها وملائمتها لذوق وقدرات وموهبة محترفيها، أو عكس كلّ ذلك أو مختلف عنه؛ ما قد تتطلّبه وتستنّزفه تلك الحرفة من جهد جسدي وعقلي ومعنوي.. وما قد تستهلكه من ساعات أو من وقت مخصص لمتع الحياة. للحرفة أو المهنة أيضاً بصمة مهمّة وغائرة على طريقة حياة الشخص وسلوكيّاته واختياراته، بصمة تُتيح لأصحاب الفراسة في كثير من الأحيان معرفة صاحبها، بل ويُستطاع التنبؤ ببعض خصائص الشخصيّة وأنماط السلوكيّة الخاصة بهذا الشخص من خلال هذه البصمة. والأمثلة على ذلك كثيرة.

المحاماة من الحرف صاحبة التأثير الشديد على صاحبها، خصوصاً في السنوات الأولى من التدريب والممارسة. وخصوصاً في مجالات معينة بداخلها على رأسها القانون الجنائي ومسائل الأحوال الشخصية لما لهما من عنصر نفسي عالي. في السنوات الأولى تكون الحيرة هي أحد العوامل المؤثرة علي شخص المحامي. لكثرة المجالات، فالقانون يشمل وينظم كل نواحي الحياة، وكل ناحية لها عمقها. بعد التخرج وسنوات من العمل يكتشف المحامي ان اختياره لممارسة القانون لم تكن تحديد، بل توسيع لما يمكن للإنسان أن يتعلمه أو يفهمه أو يتخصص به. يشعر المحامي المبتدئ أنه في وسط المحيط وأنه لا يعرف اتجاهه، وأنه فقد اتزانه المعرفي وإن تشتتّه يزيد يومًا بعد يوم. المحامي هنا لا يتعامل مع جهله المعرفي فقط، لكن جهل يمتد لمُعاملة الناس باختلافاتهم والقدرة على الوقوف على صفاتهم واستخلاص الطريقة الأمثل للتعامل معهم بحكم موقعهم في التعامل، مناصِبهم، أو قدرتهم على تسيير المصلحة أو إيقافها، أو حتى للتعامل معهم فقط بأريحية وكسب ثقتهم، بدايًة من العملاء (وقد يكونوا مجرمين) إلى الموظفين والمحضرين وحتى القُضاة. لا نقول أن المحامي جاهل، لا سمح الله، نقول أن المحامي لديه الكثير والكثير والكثير ليتعلمه بالمقارنة بمجالات أخري.

هذه المرحلة - رغم متعتها وإيجابياتها - تعتبر منطقة الخطر، لأنه يتوقّف عندها البعض علمًا ونضجًا، ويختار الكثير الطريق السهل للعودة للدراسة الجامعية أو الكورسات النظرية، ويرجع المحامي إلي سابق عهده كتلميذ في نظام تعليمي بالي، وهناك تزداد الطراوة التي تأتي مع الدراسات الإجباريّة والاستعداد لإمتحانات لا تُسمن ولا تُغني من جوع معرفي. ويعود بعدها المحامي إلى كمون وبطء التعلّم والاكتفاء بالكفاءة المزيّفة المريحة. ومن هنا، يُرسم مصير الحامي ذو الكفاءة المزيفة. بعض المحامون يظنّ إن الشهادة معناها المعرفة والقدرة، ناسياً أو متناسياً إن الشهادات هي مجرد رُخص عمل، وتوثيق درجة معرفة معيّنة متّفق على إنّها تعكس مرحلة معرفيّة ومستوى إكلينيكي للممارسة المقبولة في تخصصّ معيّن، وإنّها بذلك تمثل "زيادات" و "إضافات" على ما قد يتعلمه المحامي في رحلة خوضه في عالم القانون. الأكثر، أنّها شهادات "قد كانت" وانتهت بمجرد اكتسابها لأنها لا تحوي تدريبات وممارسات عملية تعكس واقع، ناهيك عن أننا كحقوقيين ندرس قشور غير متخصصة أثناء الدراسة الجامعية، وإنه لربما في نفس يوم حصولك على الشهادة نسيت ما تعلمته بها، فما بالك بعد سنوات من ذلك اليوم؟

المعرفة ليست أساس نجاح أي محامي، بل ما احترف فيه وأجاده. المعرفة لابد من وجودها في عمليات التأسيس والإضافة لممارسة المحاماة، ولكن بدون التفكير النقدي وحل المشكلات، ومهارات البحث والكتابة والتدقيق لن يكون للمحامي دور في هذا العالم التنافسي. كالحدّاد الذي تعلم كل شيء عن الحديد ولم يقُم بطرقه ملايين المرات حتى يتعلم كيف يصنع منه أشياء قيِّمَة. أيضًا، الذكاء الاجتماعي والمظهر الجيد جزء لا يتجزأ من هذه المهنة، ولكن وحدهم دون أن يكون المحامي قارئ وباحث محترف لن يفيدوا. ومن ثم الاستمرار، لأن عاجلاً أم آجلاً "السوق بيفرز".

لذلك نستطيع القول أن بدايات المحاماة تحتاج إلى احتراف وممارسة قبل أي شيء، تلك الممارسة التي تُضيف ذكاء اجتماعي وفطنة مهنية، وفي حال عدم وجودهما يكون النجاح صعب أو شبه مستحيل. ووجود المقومات الأخرى كالشهادات واللغات والكورسات لا يضمن إلا التواجد المبدئي في المحاماة بشرط التطور المعرفي، ولكنها تُميز المحامي عن غيره: حيث يكون المحامي عملة نادرة عندما يكون له وجه خبرة ووجه علم. المحامي لا تُقاس كفاءته بالشهادات أو حتى سنوات العمل، وهناك أمثلة كثيرة من محامين الاستئناف والنقض الذين يفقهوا القليل، وعلى النقيض، هناك أمثلة من المحامين اليافعين الذي اثبتوا جداراتهم. المحامي لا يولد محامي بالفطرة ولا يكون كذلك بالفطنة، المحامي يمارس حتى يتعلم ويدرس حتى يفهم، المحامي يعمل بمنهجية واستراتيجية. المحاماة، على الأقل في بادئ الأمر، لا تُضفي أي استقرار مادي بدخل ثابت، ناهيك عن إنك كمحامي تقوم بتقديم خدمة وليست سلعة، بالتالي وخصيصًا في السوق المصري دائماً ما يحاول العميل التقليل أو التسفيه من دورك حتى يبخسك أتعابك، فلابد من وضع ذلك دائمًا في الاعتبار والتخطيط له والتكيُف معه حتى لا يتمكن منك بأي طريقةٍ كانت. لا وجود للمحامي الجهبذ الحَبر الذي يكون مُلِمًا بسائر القوانين وحافظاً لها. المحامي الشاطر لا يحفظ القوانين، بل يمتلك قاعدة معرفية قوية متطورة بشكل مستمر، والأهم أنه يمتلك قدرة علي البحث وإيجاد المعلومة.
وعليه؟
المحاماة من المهن التي تؤثر بشكل كبير على شخصية مُمتهنها وصفاته وسلوكه، فحاول دائماً تذكير نفسك من أنت وكيف تتعامل، لأنه ببساطة شديدة خصائص هذه المهنة بدايةً من عدم الاستقرار المادي والمكاني إلى كون المحامي العامل الأساسي في قرارات مصيرية في حياة الناس ومشاكلهم يُبدِّل ويُبدِّدْ ويمحي الكثير من الصفات والسلوكيات التي يلبقها البعض. في النهاية، لا توجيه لك أن تكون شخص معين، ولكن لا تختلف كثيرًا عن الناس حتى تفهمهم ويفهموك، حتى تستشعر مشاكلهم وتحمي حقوقهم. حتى تكون عادل لهم، ولنفسك، وتذكر أن هذا هو ما تبحث عنه؛ العدل!
بقلم: عبدالله مجدي تحرير: وليد الفرس