top of page

سد النهضة: الكارثة المنتظرة والحل العسكرى

Updated: Feb 6, 2021


مع ارتفاع سد النهضة الإثيوبى مترًا بعد متر يرتفع معدل نبضات قلب الشعب المصرى نظرًا لما يمثله هذا السد من تهديد حتمى لأمن مصر القومى، ومع قرب موعد ملئ السد تفرض مشكلة سد النهضة نفسها بقوة على الساحة الإقليمية وتجتذب أنظار العالم. هذا ما دفعنا للتساؤل عن حق إثيوبيا فى إقامة السد وعن حق مصر فى حفظ مياة النيل؟ ما هي الحلول المباحة طبقاً للقوانين والمعاهدات الدولية؟ 


هل هناك حلول مرضية لجميع الأطراف أم أن المواجهة العسكرية محتومة؟ في هذا المقال نتحدث عن حق إثيوبيا فى بناء هذا السد وحق مصر فى الحفاظ على شريان الحياة، عن القانون الدولى والمعاهدات الدولية الحاكمة لهذا الشأن، عن المواجهة العسكرية المحتملة، وأخيراً عن الحلول القانونية.





لماذا سد النهضة؟

قد يتسائل البعض عن الباعث وراء هذا السد إلا أن هذا التساؤل سرعان ما يتلاشى إذا ما علمنا أن أكثر من نصف سكان إثيوبيا يعيشون فى ظلام دامس طيلة اليوم(1). فحاجة إثيوبيا للكهرباء لا تخفى على أحد، ولكن هذا السد لم يأتِ فقط لسد حاجة الكهرباء لكنه يهدف أيضًا لسد حاجة الفقر المجحف وذلك عن طريق تصدير الفائض من الكهرباء. ترى إثيوبيا أن احتجاز 74 مليار متر مكعب من الماء الذى يتجه نحو دولة المصب (مصر) - فى بحيرة كبيرة المنفذ الوحيد لها أبواب السد - توفر حاجتها للكهرباء بل تحقق فائض للتصدير. ويتعارض مع ذلك أن طريقة ملئ السد التى تتبناها إثيوبيا فى الوقت الراهن سوف تحرم مصر عما يزيد عن 20 مليار متر مكعب من حصتها السنوية(2)، ولا مراء فى أن ذلك يشكل خطرًا وشيكًا على الكهرباء والزراعة بل على الحياة فى مصر. بالإضافة لسيناريو انهيار السد الذى لم يغيب عن الأفق لكونه مُقام على منحدر شديد الوعورة فضلًا عن ضعف أساسات تأمينه التى تقل حوالى سبعة أضعاف عن أساسات تأمين السد العالى(3) ولا جدال فيما يسببه انهيار سد النهضة من فيضانات وأخطار تكاد تودى بمستقبل الزراعة فى مصر مرورًا بالسودان. كل ذلك يدفعنا للتساؤل عن صاحب الحق وموقف القانون الدولى والحلول المتاحة.

حق إثيوبيا فى بناء السد وحق مصر فى الحفاظ على شريان الحياة:-

لعل السبب الرئيسى فى الخلافات حول بناء سد النهضة هو عدم انضمام مصر وإثيوبيا إلى معاهدة الاستخدام غير الملاحى للمجارى المائية 1997 والتى تعطى الحق للدول المطلة على المجارى المائية فى الانتفاع بالمياة التى تمر بإقليهما ولكن هذا الحق غير مطلق فهناك مبادئ وقواعد تنص عليها المعاهدة يجب اتباعها، ولا شك أن هذه المعاهدة تعطى الحق لإثيوبيا فى استغلال مياة نهر النيل بالطريقة التى تراها مناسبة خاصةً وأن إثيوبيا دولة حبيسة. أما بالنسبة لمصر ولكونها دولة مصب فالأمر لا يكون بذات التعقيد إذا ما كانت دولة ممر للمجرى المائى، لذا نجد السد العالى بأسوان تم بناؤه بدون أى مشاكل سياسية مع دول حوض النيل لأنه لا يؤثر على حصصهم من المياة.

ومن خلال القواعد المستقاة من نصوص معاهدة قانون استخدام المجارى المائية الدولية سالفة الإشارة نجد أن هناك مبادئ تحكم هذا الحق وهى:-

-الانتفاع المنصف والمعقول.

-التبادل المنتظم والمباشر للمعلومات المتاحة.

-الإخطار والتشاور والموافقة المسبقة.

-حماية النظم الايكولوجية وحفظها.

-منع التلوث وتخفيضه ومكافحته.

هذه هى المبادئ التى تحكم حق استغلال المجارى المائية فى الأغراض غير الملاحية ويتبين من تطبيق هذه المبادئ على موضوع الطرح حق إثيوبيا فى إقامة مشروعها الكهرومائى على ضفاف النيل الأزرق ولكن هذا الحق محكوم بالمبادئ سالفة الذكر ويحق لمصر التمسك بها، والحقيقة أن هذه المبادئ لم تُراعى عند بدء بناء السد وذلك لأن مصر وإثيوبيا لم يوقعا على هذه المعاهدة وبالتالى لا تنطبق عليهما وهذا ما يدفعنا للنقطة الآتيه.





القانون الدولى والمعاهدات الدولية الحاكمة لهذا الشأن:-

تعددت الاتفاقيات الدولية الخاصة بتحديد حصة مصر من مياة نهر النيل ولكن ما ينقص هذه الاتفاقيات أن إثيوبيا لم تكن طرفًا فيها، ولا ريب فى أن وجود مصر وإثيوبيا فى أيًا من تلك المعاهدات كان كفيلًا لدرء المشاكل وتذليل العقبات لكن هذا لم يحدث. أعطت اتفاقية تقاسم مياة النيل عام 1959 لمصر نصيب الأسد من مياة النيل بالإضافة لوجوب موافقة مصر على أى مشروع يُقام على ضفاف نهر النيل (حق الفيتو) ولكن إثيوبيا لم تلتزم بهذه المعاهدة لأنها لم توقع عليها.

ويقابل ذلك عقد إثيوبيا اتفاقية عنتيبى مع خمسة دول من حوض النيل عام 2010 وتحدد هذه الاتفاقية المبادئ التى تحكم مياة النيل ولكن أيضًا مصر لم توقع على هذه المعاهدة.


ولعل السبب الرئيسى للتنازع على مياة النيل بين مصر وإثيوبيا هو أن توقيعهما لم يجتمع على اتفاقية واحدة تخص مياة النيل وذلك قبل عام 2015 حيث أن فى هذا العام تم توقيع اتفاقية إعلان المبادئ الحاكمة لسد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا والتى لم تأتِ إلا تكرارًا لمبادئ معاهدة 1997 سالفة الإشارة لكنها خالية من الحلول العملية لهذه المشكلة وخالية من تحديد حصص المياة للدول أطراف المعاهدة وخالية من مبدأ الموافقة المسبقة الذى لم يعد له جدوى لأن السد أُقيم بالفعل، بالإضافة لبعض المبادئ الأخرى التى من أهمها تسوية المنازعات بالطرق السلمية، إزاء تخلف الحقوق العملية وتعارض الحل العسكرى مع اتفاقية إعلان المبادئ يجدر بنا الانتقال للنقطة التالية.


مواجهة عسكرية محتملة:-

يتبادر إلى الذهن الحل العسكرى كملاذ أخير لمصر بعد فشل العديد من المفاوضات وتمسك إثيوبيا بفترات ملئ السد - وهى نقطة الخلاف الرئيسية - ورفضها للوسطاء بالرغم من أن معاهدة 2015 نصت على ذلك وأيضًا ميثاق الأمم المتحدة فى مادته 33 الذى ينص على: "يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها."، ومما يجعل الحل العسكرى ليس بمعزب عن الأفق هو تصريح رئيس الوزراء الإثيوبى على قدرة حشد ملايين البشر للدفاع عن السد(4) والتلويح من الجانب المصرى تارة وأخرى باللجوء إلى هذا الحل، بالإضافة أن مصر تدعم سلاح الجو بالطائرات الحربية من أعلى الفئات وعلى الجانب الأخر تبدأ إثيوبيا فى نشر قواعد دفاع جوى فى مناطق متعددة لحماية السد(5)، إلا أن هذا الحل بناقض اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة عام 2015 والتى تنص على تسوية المنازعات بالطرق السلمية بالإضافة إلى مبدأ أمان السد. ومع ذلك قد يبرر البعض الحل العسكرى بعدم إلتزام إثيوبيا باتفاقية 2015 التى تجمعها مع مصر حيث تنص الاتفاقية على مبدأ عم التسبب بضرر لأى دولة من الدول الثلاث وغنى عن البيان أن ملئ إثيوبيا للسد بالطريقة التى تعتزمها وعدم الاستجابة للمفاوضات التى تحفظ حقوق الجميع يقترن بخطر أكيد على مصر وهذا يبرر الحل العسكرى.

ويمكن أيضًا التذرع بمبدأ الدفاع الشرعى الذى أقره ميثاق الأمم المتحدة فى مادته 51 كسبب للحرب لأن فى تكملة السد بالمنوال الذى تنتهجه إثيوبيا خطر على الأمن القومى المصرى. ولا يخفى على أحد أن الحلول العسكرية هى أخر الحلول التى يتم اللجوء إليها فى حل المشكلات لما فى ذلك من خسائر مادية وبشرية لا تقدر بمال، ولا يسعنا إلا التضامن مع الرأى القائل باستنفاذ كل السبل الأصلية والاحتياطية قبل التفكير فى قرار الحرب.




الخاتمة: الحلول القانونية المتاحة.

لقد فات الأوان للحديث عن الحلول التى تهدف إلى منع بناء السد أو حتى إيقاف بنائه لأن السد الآن فى المراحل الأخيرة للبناء فلم يتبقى من الحلول الدبلوماسية إلا المفاوضات حول الفترة الزمنية التى يُملأ فيها السد، فإثيوبيا تريد ملئ السد بأقصى سرعة لأن ذلك يعجل بمكاسبها السابق ذكرها ومصر تريد إطالة فترة ملئ السد لأن ذلك يخفف من وطأة الضرر الناجم عن حجب كميات كبيرة من الماء، فالضرر بالنسبة لمصر واقع لا محالة.(6) ومما يعرقل هذه الحلول الدبلوماسية مماطلة إثيوبيا وإصرارها على ملئ السد فى فترة وجيزة وهو ما يجعل الضرر كبير بالنسبة لمصر. ولقد لجأت مصر أخيرًا إلى مجلس الأمن عله يطرح على المسامع ما لم يُسمع وسند مصر فى ذلك الباب السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة.

والسؤال الذى يطرح نفسه وبقوة على بساط البحث, هل بعد نفاذ تلك الحلول السياسية لا يتبقى سوى الحل العسكرى المحتوم؟!

الحقيقة أن الناظر فى شتى العلاقات الدولية يجدها مرنة وتقبل التغير ويمكن بين حينًا والأخر أن تتبدل المواقف والاتجاهات ولكن عندما يتعلق الأمر بالأمن القومى أو بالحفاظ على حقوق الأمم لا بديل عن التمسك بهذا الأمن وهذه الحقوق حتى ولو كانت ضريبة ذلك التمسك باهظة, لذا نجد أن المنوط باتخاذ قرار الحرب يقوم بمعادلة حسابية بسيطة مقتضاها حساب الأضرار الناجمة عن الحرب ومقارنتها بالأضرار إذا لم يُتخذ قرار الحرب فإذا كانت الأضرارالأولى -أضرار الحرب- أكبر من الأضرار الثانية -الأضرار التى أتُخذ من أجلها قرار الحرب- يتم تجنب الحرب, أما إذا كانت الأضرار الثانية أفل من الأضرار الأولى يتم اتخاذ قرار الحرب.

وبتطبيق ذلك على محور حديثنا نجد أنه إذا كان الشئ الوحيد الذى يجنب مصرأثار هذا السد الكارثية هو الحرب فبالتأكيد مصر لن تتوانى عن اتخاذ هذا القرار, فما علة الحروب إذا لم تُستخدم للحفاظ على الحياة؟!

فى نهاية هذا العرض نأمل أن نكون قد وفينا التساؤلات السابق طرحها حقها فى الإجابة، فحق إثيوبيا فى إقامة السد قائم لحاجتها المُلحة للكهرباء والأموال وذلك لا يتعارض مع حق مصر فى الحفاظ على حقوقها، والقانون الدولى يحاول أن يعادل الكفة بين الأطراف إلا أن تعنت أحد الأطراف وتعسفه فى حقه قد يعزى بنا إلى الحل العسكرى الغير مرغوب فيه بالنسبة لكافة الأطراف لذا يستنفذ الجميع كافة الحلول الأصلية والاحتياطية قبل التفكير فى الحل بالقوة, ونأمل أن يتوصل الأطراف للحل الذى يرتضيه العدل والمنطق.

بقلم عبد الرحمن علي


المصادر:-

(1):https://www.youtube.com/watch?v=J_QKoWk4TpI

(2):https://www.almayadeen.net/articles/opinion/837901/%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85---%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D9%88%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A

(3):https://www.youtube.com/watch?v=OMNJxOMSpCo

(4):https://www.youtube.com/watch?v=1Ua9O0pJDsI

(5):http://www.defense-arabic.com/2020/05/23/%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%B5%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%B9-%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B2%D8%A7%D8%B9-%D8%AD%D9%88/

(6):https://almalnews.com/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%84%D8%A1-%D8%AE%D8%B2%D8%A7%D9%86-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D8%A8%D9%84/



171 views0 comments
bottom of page