مشروع قانون تعديل المواطنة: شرح قانون "معاداة المسلمين" الجديد في الهند ورد الفعل العالمي
Updated: Mar 19, 2020

فى الوقت الذى يجوب العالم خطر الإصابة بفيروس منبعه الصين، ينتاب المسلمون فى جارتها الهند خطر العنصرية والاضطهاد الممتد منذ عقود ليشهد ذروته الان مهددًا كل ما هو راسخ بموجب الدستور الهندى من مبادئ عدالة ومساواة وحرية وديمقراطية. قدمت الحكومة مشروع قانون جديد فى يوليو 2016 ينص على منح الجنسية للأقليات الدينية من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان. بموجب هذا القانون سيكون هناك استثناء في منح الجنسية لأفراد من ست أقليات دينية عدا المسلمين – الهندوسية والسيخ والبوذية وجاين والبارسية والمسيحية. اذا استطاعوا إثبات أنهم من باكستان أو أفغانستان أو بنغلاديش سيكون عليهم فقط العيش أو العمل في الهند لمدة ست سنوات ليكونوا مؤهلين للحصول على الجنسية عن طريق التجنس. ولكن احتجت الجماعات الإسلامية والجماعات العلمانية واعتبروا مشروع القانون دعوة للتمييز ديني ومخالفة صارخة لمبادئ العلمانية فى الدستور الهندى. أدت هذه الاحتجاجات الى موجة من الاشتباك التي أصيب بها الكثير وفرضت السلطات الهندية على أثره حالة الطوارئ وحظرت التجمعات الكبيرة في أجزاء من العاصمة نيودلهي وعطلت الإنترنت، كما استخدمت القوة لوقف المسيرات، والاعتصامات. وفي هذا المقال ننقاش ذلك القانون والاحداث التي أثارها، والسياق الذي نشأ في طياته ذلك القانون، ومن ثم تحليل القانون نفسه وأخيراً سنناقش رد الفعل العالمي لهذا للمشهد الحالي.
جدل حول تعديل قانون المواطنة The Citizenship Amendment Bill CAB:

تقول قيادة حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي (الحزب الحاكم)، إن هذا التعديل سيوفر ملاذاً للأشخاص الفارين من الاضطهاد الديني من هذه الأقليات، وبرروا استثناء المسلمين من القانون "بأنهم ليسوا فى حاجة إلى الحماية". وبموجبه سيعدل قانون المواطنة الهندي بعد 64 عامًا من صدوره. والذي كان يحظر المهاجرين غير الشرعيين من أن يصبحوا مواطنين هنود. كما يعدل أيضًا بندًا ينص على أنه يجب أن يكون الشخص قد عاش في الهند أو عمل في الحكومة لمدة 11 عامًا على الأقل قبل أن يتمكن من التقدم بطلب للحصول على الجنسية. وفى ديسمبر ٢٠١٩ أقر البرلمان مشروع القانون ليمنح بذلك الجنسية للأقليات من دول الجوار الثلاث ماعدا المسلمين ويمنح بذلك النصر للحزب الحاكم الذى وعد فى بيانه الانتخابى فى 2014 بانه سيوفر ملاذًا طبيعيًا للاجئين الهندوس المضطهدين وعبر رئيس الوزراء عن فرحته بهذا الانتصار مغردًا على تويتر" أنه يوم تاريخي بالنسبة للهند وأن هذا المشروع سوف يخفف من معاناة الكثيرين الذين واجهوا الاضطهاد لسنوات" بينما على الجانب الاخر تسبب إقرار القانون بشعور المسلمون والعلمانيون بتفاقم الخطر لذلك قرروا الخروج مرة اخرى ليعبروا عن رفضهم لهذا القانون الذى يضع سلامة 200 مليون مسلم علي المحك.
عنف واشتباكات بين المؤيدين والمعارضين لقانون الجنسية الجديد جعلت من العاصمة نيودلهى ساحة لإراقة دماء المسلمين
فى ٢٣ فبراير 2020 خرجت احتجاجات أخرى في الهند لتندد أجندة الحزب الحاكم التى تسعى لتهميش وطمس هوية المسلمين الدينية من خلال قمع حريتهم وتحجيم دورهم. بدأت الاحتجاجات في وقت متأخر يوم الأحد وتحولت تدريجياً إلى عنف طائفي حيث بدأ الهندوس، الذين يدعمون القانون بأغلبية ساحقة، والمسلمون الذين يعارضونه، يهاجمون بعضهم بعضًا. ثم تحولت أعمال العنف والاعتداءات من قبل الهندوس لاعمال متطرفة وحولوا العاصمة الهندية إلى ساحة حرب، حيث قاموا بحرق المنازل والاعتداء بالضرب على المسلمين وتخريب المحال وانتهاك حرمة المساجد مخلفين ورائهم شوارع مليئة بالحجارة والزجاج وسيارات محترقة ودخان ينبعث من كل مكان وأجبروا نحو 5 آلالاف من العائلات المسلمة على ترك منازلها. نجم عن تلك الاشتباكات وأعمال العنف رسميا مقتل ٤٧ شخصا.
تاريخ العنف والاضطهاد ضد مسلمو الهند
والاشتباكات الأخيرة هى ضمن سلسلة طويلة من الاشتباكات الطائفية في الهند. حيث شهدت العقود الفائتة العديد من المذابح بحق المسلمين مع تواطؤ في بعض الأحيان من السلطات الحكومية، كما حدث في الاشتباكات الأخيرة، التي لم تتدخل بها الشرطة الهندية وسمحت للهندوس بتنفيذ هجماتهم على الأحياء والمناطق الإسلامية في العاصمة الهندية نيودلهي. وبعيدا عن ذلك التمييز الرسمي للحكومة، فان موجات العداء الشديد تجاه المسلمين كانت قد تصاعدت بقوة خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وتزامنت مع دخول أعداد كبيرة
فى الإسلام، ثم جاءت موجة أخرى تزامنت مع انفصال باكستان عن الهند عام1947، وكان الهدف منها إجبار المسلمين علي الرحيل إلي باكستان حتي تبقي الهند للهندوس، الهندوس الذين نظروا دائما إلى المسلمين الهنود باعتبارهم غزاة وخائنين ومشكوكا في ولائهم للهند. واعتبر عام1947 بداية مذابح وحشية تعرض لها المسلمون علي يد الهندوس وبلغت ذروتها فيما أطلق عليه مذابح احمد أباد عام1969، ثم كانت هناك موجة ثالثة خلال النصف الأول من التسعينيات تبلورت في تدمير مسجد بابري عام1992 ومسجد شرار شريف عام1995 واستمرت تلك الأعمال بدرجات متفاوتة حتي يومنا هذا، وكان من أبرزها ما حدث عام2002 الذي شهد ما عرف بمجزرة ولاية غوجارات حيث تعرض المسلمون لمذابح علي يد عصابات هندوسية أسفرت عن مقتل نحو2500 مسلم واغتصاب400 سيدة وتدمير270 مسجدا. والجدير بالذكر ان رئيس الوزراء الحالى للهند (ناريندرا مودى) كان رئيس وزراء هذه الولاية وقتئذ واعتبر متورطًا فى الامر مما يفسر الكثير حول ما يكتنف المسلمين من خطر فى عهده.

وتذكر تقارير المراكز الحقوقية ومنها مراكز هندية بارزة مثل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية للأقليات، انه جري تهميش الاقلية المسلمة التي توازي نحو14% من المجتمع الهندي خلال مأساة تواصلت علي مدي150 عاما، وترجع تقارير المراكز الحقوقية السبب بازدياد عمليات العنف والقتل إلى انحياز الشرطة للهندوس وتجاوزها عن تنفيذ الأحكام. وبالرغم من تبرأت ناريندرا مودى من التورط فى مذبحة غوجارات الا انه مازال متهما فى اعين الهيئات الحقوقية ودائما ما شكل تاريخه السياسى قلق المسلمين والكثير من الهنود أصحاب الطوائف الأخرى الذين سئموا فساد الحكومات السابقة حيث انضم في وقت مبكر من حياته إلى "فيلق المتطوعين الوطنيين" والذي يعتبر المنظمة الام لحزب بهاراتيا جاناتا، وتفرغ للعمل في هذا التنظيم الذى يمثل الدعامة الأساسية للقومية الهندوسية منذ أيام الحكم البريطاني. وقد اغتيل المهاتما غاندي عام 1948 على يد عضو سابق في هذا الفيلق. ويعد حزب بهاراتيا جاناتا ( الحزب الحاكم) الواجهة السياسية للفيلق ويؤمن بالهندوتفا، وهي أيديولوجية تسعى إلى ترسيخ سيادة الهندوس وطريقة الحياة الهندوسية.
الارتباط الوثيق بين قانون الجنسية الجديد CAB و NRC الخاص بسجل المواطنة

للوهلة الأولى، قد يبدو مشروع القانون بمثابة جهد يستحق الثناء لحماية الأقليات المضطهدة. وأن الهندوس والسيخ والبوذيين وجينيس وبارسيس والمسيحيين الذين أتوا إلى الهند قادمين من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان لن يعاملوا معاملة غير قانونية. سيكون لديهم طريق واضح للمواطنة. لكن لماذا تم تجاهل مجموعة رئيسية واحدة وهى المسلمون. من الممكن ان نرجع الاسباب لتزايد أعداد المسلمين واعتناق غيرهم للدين الإسلامي مما يشكل تهديد لنفوذ الحزب الحاكم وسعيه نحو تنفيذ أجندته بتحويل الهند لوطن قومى للهندوس كما وعد وبالتالي يضمن الانتخابات القادمة. لذلك أقامت الحكومة NRC أو ما يعرف بسجل المواطنة فى ولاية آسام التى يمثل فيها المسلمون نسبة 34% من السكان وتزعم الحكومة أن العديد من المسلمين فى هذه الولاية فى الأصل من بنجلاديش وليسوا مواطنين شرعيين حتى ولو عاشوا فى آسام منذ عقود وأنهم قدموا إلى الهند أثناء الحرب بين الهند وباكستان سنة 1971. و NRC هو سجل يشمل أسماء المواطنين الذين استطاعوا تقديم وثائق تثبت قدومهم إلى ولاية آسام الهندية قبل 24 مارس 1971م، وهذا اليوم بالتحديد هو اليوم السابق على هجرة الكثير من بنجلاديش بعد ان اعلنت دولة بنجلاديش استقلالها عن باكستان، وذُكر كذلك ان الذين لم يشملهم السجل يجب عليهم أن يُظهروا وثائق او يثبتوا هويتهم الهندية، أو يدخلوا في المعسكرات بعيداً عن أطفالهم وذويهم حتى يحسم فى أمرهم.
ثم اتضح أن ما يقارب من المليونى لم يدرج اسمهم فى السجل ولكن فقط قلة قليلة منهم مسلمين مما هدم مزاعم الحكومة حيث ظنوا بان معظم المهاجرين غير الشرعيين فى ولاية اسام مسلمون بنغال ولكن اتضح انهم بنغاليين هندوس – وهي قاعدة قوية للناخبين لحزب بهاراتيا جاناتا – والان انقلب السحر على الساحر وتم استبعاد ناخبيهم من القائمة ، وفى القريب العاجل سيصبحوا مهاجرين غير شرعيين. مما بدد تطلعات الحزب الحاكم في القضاء على المسلمين وتدعيم قاعدة ناخبيه. وللخروج من ذلك المأزق أصدروا قانون الجنسية الجديد ليجد الهندوس المهاجرين مفرا ويتم ترحيل المسلمين فقط. وقدموا القانون على انه تخفيف من معاناة الاقليات وليدعموا حججهم بدات وسائل الاعلام الهندية تظهر المصاعب التى تواجهها هذه الاقليات. ليظهر بذلك الحزب الحاكم المدافع عن الضعيف والمنقذ لمعاناة الاقليات.

ولذلك هناك ارتباطًا وثيقًا بين سجل المواطنة وقانون الجنسية الجديد ، لأن من سيتم استبعاده من سجل المواطنة من غير المسلمين سيجد مفرًا من الترحيل عن طريق قانون الجنسية الجديد الذى وضع ليضمن حماية غير المسلمين المستبعدين من السجل وبالتالى يواجه المسلمون وحدهم خطر الترحيل أو الاعتقال. مما يعنى ان عشرات الآلاف من المهاجرين البنغاليين الهندوس الذين لا يحملون أية وثائق لا يزال بإمكانهم الحصول على الجنسية للبقاء في ولاية آسام، خلاف المسلمين. وهناك نية لتطبيق سجل المواطنة NRC فى عدة مناطق أخرى وبالتالي ستنزع الجنسية الهندية عن كل المسلمين الذين فقدوا وثائق أجدادهم فى هذه المناطق بينما سيحمى قانون الجنسية الجديد باقى الديانات. كل ذلك يعد انتهاك صارخ لمبادىء العلمانية والتعددية التى كفلها الدستور وتجاوز للماد ١٤ من الدستور الهندى والتى تكفل المساواة لجميع المواطنين.
رد الفعل العالمي:
الأزهر الشريف: أصدر بيانًا يوم الثلاثاء ١٩ ديسمبر ٢٠١٩، والذي حذر فيه من تداعيات إقصاء المسلمين من قانون الجنسية الهندي الجديد مقارنة بإخوانهم من الديانات الأخرى، وأشار فيه إلى أن هذا التمييز الديني مستغرب على دولة الهند التي كانت مثلا في التعددية الدينية وقبول الآخر. ويكرر الأزهر دعوته بضرورة تغليب قيم المواطنة واحتواء الجميع، ونبذ كل أشكال التمييز الديني والعنصري، معربا عن ثقته في القدرة على الوصول إلى حلول مرضية حال تغليب ثقافة الحوار ومبادئ العيش المشترك، مشيرا إلى أن المسلمين في الهند يمثلون ثاني أكبر تجمع للمسلمين حول العالم، وطرفا أساسيا فيما شهدته الهند من تطور في شتى المجالات على مر العصور.
اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية: وصفت التشريع بأنه منعطف خطير ودعت الى النظر في فرض عقوبات على وزير الداخلية الهندي أميت شاه، أحد أكبر مناصري حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، على خلفية قانون الجنسية. وهى اللجنة التي تقدم المشورة للحكومة الأمريكية لكن لا تحدد السياسات.
مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: قدمت إقراراً غير مسبوق بالمحكمة العليا في الهند، طالباً منها أن تكون طرفاً في القضية المرفوعة ضد قانون تعديل المواطنة.
المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي: غرد قائلاً "إن قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم تعتصر حزنًا لمذبحة المسلمين في الهند. يجب على حكومة الهند مواجهة الهندوس المتطرفين وأحزابهم ووقف مجزرة المسلمين من أجل منع عزلة الهند عن العالم".
تركيا واندونيسيا وماليزيا كذلك انتقدوا ايضا ما يحدث.
الدول العربية وخاصة الخليجية: لا يوجد لها رد فعل. مع العلم ان تلك الدول من شأنها الضغط على حكومة مودى بما تملكه من معدل كبير للعمالة الهندية، ولكن علي العكس من ذلك فقد أكد رئيس الوزراء الهندي فى خضم تلك الاحداث أن الهند لديها "أفضل العلاقات مع دول الخليج من أي وقت مضى في تاريخها".
ماذا الان؟
قدمت نحو ١٥٠ عريضة أمام المحكمة العليا تتحدى قانونية قانون الجنسية الجديد. وأعطت المحكمة الحكومة أربعة أسابيع للرد على الانتقادات. سيكون قرار المحكمة العليا الفيصل فإذا حكمت بأنه مخالف للدستور سيلغى القانون أو قد تحكم بدستوريته ليستمر ما يتعرض له المسلمين من تنكيل واعتداءات. وعلى جانب اخر ستؤدى سياسة رئيس الوزراء ناريندرا مودى إلى سوء الأوضاع أكثر ليس فقط بالنسبة للمسلمين وإنما لتطلعات الهند الاقتصادية والدولية خاصة فيما يتعلق بسعيها لتكون عضوًا دائما فى مجلس الأمن بجوار القوى النووية الأخرى ومما لا شك فيه أن ما حدث من اشتباكات أثرعلى صورة الهند كأقدم الدول ديمقراطية واحترامًا للحريات والتعددية.
بقلم آلاء بسيوني
المصادر:
1) https://www.bbc.com/news/world-asia-india-50670393
2) https://prsindia.org/billtrack/the-citizenship-amendment-bill-2016-4348
4) https://www.bbc.com/news/world-asia-india-50739593
6) https://www.nytimes.com/2020/03/01/world/asia/india-modi-hindus.html
7) https://www.bbc.com/arabic/world-50835194