top of page

نظرية القانون: التشريع القانوني في القانون المصري

Updated: Mar 20, 2020

إن المقصود بالتشريع لدى اجماع الفقهاء هو "ذلك القانون المكتوب الصادر عن السلطة المختصة بإصداره في الدولة" أو بصيغه أخرى التشريع هو "عملية وضع القواعد القانونية بواسطة السلطة العامة المختصة بذلك في صورة مكتوبة، أو هي قيام هده السلطة بصياغة القاعدة القانونية صياغة فنيه مكتوبة وإعطائها قوه الإلزام في العمل". كما أن التشريع يطلق عليه اسم "القانون المكتوب" لأنه يتضمن قواعد قانونية مدونة على شكل وثيقة مكتوبة ومن أهم صوره التي يخرج فيها للوجود هي عملية التقنين، والتقنين le code هو مجموعة متجانسة من التشريعات يتم اعدادها بشكل ممنهج بيحث يخرج الناتج منها في شكل أفرع للقانون. ونظراً لأهمية التشريع، فقد كرسنا حلقة كاملة ورقة بحثية متناولين بعناية مفهوم التشريع، عناصر التشريع وخصائصة ومزاياه وعيوبه.

1. مفهوم التشريع

التشريع له معاني عدة؛ التشريع يعني أن كل قاعدة مكتوبة تم وضعها سلطة عامة معينة، ويعني أيضاً أن هناك سلطة مختصة في الدولة منوطة بوضع قواعد جبرية مكتوبة من أجل تنظم المجتمع وفقا لإجراءات محددة. ومن الممكن أن نستخرج من كلام الفقهاء معني أخر للتشريع، ولكنه معني أضيق؛ أي أنه يضيق نطاق المفهوم من التشريع ويصدق على نطاق ضيق في المفهوم المستفاد من الاصطلاح. وهو الذي يقول بأن التشريع la législation يأخذ أسمه من السلطة المختصة التي تصدره وهي السلطة التشريعية، وذلك هو المصدر الرسمي الأول للقانون الذي يتعين على القاضي اللجوء إليه عند فصله في المنازعة المعروضة عليه، ولا يلجأ إلى غيره من المصادر إلا في حالة عدم وجود نص تشريعي.






يعد التشريع بالفعل أهم مصادر القاعدة القانونية في القانون المصري على الرغم أن الشريعة الأسلامية والعرف القانوني سبقوه في الظهور، وذلك لقدرة التشريع علي أمتصاص ما تحتوية تلك المصادر الأخري من قواعد ومقاييس ووضعها في أطار هيكلي متجانس.



قبل الحديث عن عناصر التشريع، يجب الأشارة أن التشريع والقانون ليس ترادف. التشريع أخص من القانون، لأن القانون له مصادر أخرى غير التشريع كالعرف مثلاً، فالقانون أعم لأنه يشمل التشريع كأحد مصادره. حيث أنه درج التعبير عن "التشريع" لفظ "القانون"، فيقال "قانون العمل" وليس "تشريع العمل"، علماً بان لفظ التشريع هو الأدق لسببين: الأول أنه يميز بين التشريع وباقي المصادر الأخري للقانون، والثاني هوي تمييز التشريع كعمل عن بقية الأعمال الأخرى التي تصدر عن السلطة التشريعية ولا يتوافر فيها خصائص القاعدة القانونية.



2. عناصر التشريع

يتمحور مفهوم لتشريع حول ثلاثة عناصر متكاملة: موضوع التشريع، شكله، والجهة أو السلطة المختصة بوضعه.

أولاً: العنصر الموضوعي

يجب أن يكون موضوع التشريع قاعدة قانونيه، أي انه يسعى لتنظيم سلوك الأفراد؛ فالقواعد القانونية هي قواعد تقويميه، تكليفيه وهي عامه ومجرده وملزمه. تلك الخصائص الموضوعية تميز القاعدة القانونية عن القرارات الفردية التي تصدر عن السلطة المختصة وفي شكل الكتابة. وتجدر الإشارة في هذا الشأن إلى التمييز الذي وضعه بعض الفقهاء بين المقصود بالتشريع شكلا والمقصود بالتشريع موضوعا "فالحكم الذي يصدر في صوره مكتوبة عن السلطة التشريعية يعتبر تشريعا من الناحية الشكلية ولو لم تتوفر فيه خصائص القاعدة القانونية، بينما لا يصدق وصف التشريع من الناحية الموضوعية على الأحكام التي تتخلف فيها خصائص القاعدة القانونية رغم صدورها عن السلطة التشريعية؛ الأعمال البرلمانية.






ثانياً: العنصر الشكلي

يصدر التشريع في صوره مكتوبة، مما يسمح لنا بتمييزه عن العرف باعتباره أهم مصدر رسمي للقاعدة القانونية. ويجب تفادي الخلط بين تدوين الأعراف في بعض الحالات أو في بعض البلدان وتدوين القوانين بالنسبة للتشريع. فالعرف ينشأ بصفه تلقائية عن طريق تكرار وتواتر العمل به والشعور بالألزامية، حيث لا يشترط لوجوده الكتابة، بينما يترتب على توفر شرط الكتابة في التشريع وجوده، أي لا يوجد التشريع إلا من خلال صدوره في شكل مكتوب.

والمقصود بشكل الكتابة هو مفهومها الواسع أي مختلف الإجراءات والشكليات الواجب إتباعها من قبل السلطة المتخصصة لإصدار التشريع.

كما يجب التفرقة أيضا بين شرط شكل الكتابة في التشريع من جهة والتقنين من جهة أخرى، والذي يتمثل في تجميع القواعد القانونية المتصلة بفرع واحد من فروع القانون في وثيقة واحده. والمقصود بالتجميع في هدا الشأن، هو ذلك الذي تقوم به السلطة المختصة بوضع التشريع، وليس ذلك الذي يقوم به شخص أو هيئه غير رسميه وغير مختصة للقيام بمثل هدا الإجراء.

ثالثاً: العنصر العضوي

ويصدر التشريع عن السلطة المختصة بوضعه أي تلك التي يخول لها صلاحية وضع التشريع. وهذه السلطة هي السلطة التشريعية من حيث المبدأ بالنسبة للأنظمة التي تعتمد مبدأ فصل السلطات، ونذكر في هذا الشأن أن مبدأ فصل السلطات الذي هو أحد مظاهر الديمقراطية يقوم على ثلاث سلطات تكون مستقلة عن بعضها البعض: الأولي هي السلطة التشريعية والتي تتولي وضع التشريع بالنيابة عن إرادة الشعب باعتباره مصدر السلطة، وثانيا السلطة التنفيذية والتي تقوم بتنفيذ هذه القوانين، وأخيراً السلطة القضائية والتي تختص بتطبيق القانون والفصل في النزاعات التي نظمها القانون.


3. خصائص القواعد التشريعية

1) القواعد التشريعية قواعد قانونية: لأنها تتصف بالعموم والتجريد وهذه الصفة هي التي تميز التشريع عن غيره من الأعمال والقرارات البرلمانية التي تصدرها السلطة التشريعية ولو اتبعت بشأنها الإجراءات نفسها التي تتبعها بصدر وضع التشريعات. "الموافقة على قرض عقدته الحكومة - معاش استثنائي تقديراً لخدمات شخص معين - منح حق امتياز أو احتكار". فهذه الأعمال بالرغم من صدورها من السلطة التشريعية لا تعد تشريعات لأنها لا تتصف بالعموم والتجريد ولا تخرج عن كونها أعمال إدارية تنفيذية.- فهذه الأعمال وأن أطلق عليها لفظ قانون (لأنها صادرة من السلطة التشريعية) إلا أن المقصود بها ليس قانون لأنها «ليست لها صفة التجريد والعموم».

2) القواعد التشريعية قواعد قانونية مكتوبه: أي أنها توضع كتابة وهذا يضفي عليها قدر كبير من التحديد والوضوح

3) القواعد التشريعية تضعها سلطة عامة مختصة وفقا لإجراءات محددة: والسلطة المختصة هي السلطة التشريعية فتقوم بتحديد مضمون القواعد (الفرض، الحكم) ثم تزودها بصفة الإلزام، وتتقيد السلطة التشريعية بالإجراءات، والقيود التي حددها الدستور لسن التشريع، الاقتراح، الإقرار والمناقشة، التصديق، الإصدار، النشر. ولا يحول ذلك من مشاركة السلطة التنفيذية في حالات معينة يوضع القواعد التشريعية: أ) حالات الضرورة. ب) حالات التفويض.


4. مزايا التشريع وعيوبه

مزايا التشريع:

  1. يؤدي التشريع إلى استقرار المعاملات لكون قواعده مكتوبة فيسهل أثباتها وتحديد مضمونها. كما يعد أكثر استجابة لفرض القواعد القانونية الآمرة.

  2. التشريع وسيلة ميسورة لتطوير الأنظمة القانونية. حيث تؤدي منهجية التشريع أو الشكل الذي ينتج به قوانين الي خلق هيكل متجانس كالبناء. يمكن للمشرعين من خلالة إستمرارية العمل علي تطوير ذلك البناء بالتعديل أو التغيير أو الألغاء بما يتناسب وتغيرات المجتمع. لكونه يخلق قواعده مكتوبة ومنظمة في هيكل متجانس كالبناء. ذلك الهيكل يسهل تحديد القواعد القانونية وتتبعها وتنسيقها مع بعضها البعض.

  3. يحقق الوحدة القانونية في الدولة لما يتميز من عموم في تطبيقه على سائر إقليم الدولة، وذلك لصدوره عن سلطة عامة محددة، يخول لها المجتمع مهمة وضع القانون في وثيقة مكتوبة، تصاغ صياغة فنية دقيقة وواعية، تيسر تطبيقه في العمل في تحديد ووضوح.

  4. كما يتميز التشريع بخاصية الصدور في شكل مكتوب مقولب، فتكفل للقانون التحديد والثبات اللازمين لاستقرار المعاملات. فكتابة القانون من شأنها أن تمكن الأفراد من معرفة الحدود التي يستطيعون التحرك فيها بنشاط، كذلك يضع التشريع القواعد القانونية التي تتوافر فيها خصائص القاعدة القانونية التي تتسم بأنها قاعدة عامة ومجردة، تنظم السلوك الاجتماعي علي نحو ملزم.

عيوب التشريع:

  1. يتحكم في صنع التشريع سلطة عامة ومختصة في الدولة، وذلك عن طريق ممثلي الشعب. ذلك يعني أنه يمكن أن يكون نابع من أرادة الأغلبية من الأشخاص، ولكنه ليس بالضرورة نابع من أرادة المجتمع، كالعرف مثلا والذي ينتج في طيات المجتمع. ولذلك يعاب على التشريع احتمال صدوره بعيدا عن رغبات ومصالح المجتمع، كذلك قد تقوم السلطة المختصة بوضع تشريع يناسب مصالحها الخاصة ضاربة بذلك مصلحة المجتمع عرض الحائط، مثل الأنظمة الدكتاتورية.





  1. يتصف التشريع بالجمود، فهو لا يتغير بصورة تلقائية نتيجة لتغيير أحوال المجتمع، فقد يصدر تشريع يفي بحاجات المجتمع في حينه، وبعد ذلك تتغير أحوال المجتمع، مما لا يعد معه لهذه القواعد اهمية في تنظيم احوال المجتمع، لكن يمكن الرد عليه بأن كتابة القواعد القانونية لا يعني ابدا انها اصبحت ابدية وانما تتسم بالمرونة والقابلية للتعديل حتى تتلائم مع حاجات المجتمع. ولكن يمكن أن تكون هذه العملية طويلة نظرا لتعقد بعض المسائل. وعلي النقيض قد يؤدي التسرع إلى صياغة قواعده الي صياغة نظرية لا تحسم المنازعات التي تنشأ في المجتمع. وأيضا كثرة التعديلات المتوالية قد تزلزل ذلك الأستقرار المنشود من العملية التشريعية.

  2. ويؤخذ علي التشريع أن المجهود الذي يبذل في وضعه، يجعل واضعوه يحجمون عن تعديله بسهولة، فيظل تشريع مدة من الزمن دون أن يلبي حاجات المجتمع، ولكن يمكن الرد عليه تلك النقطة بأن المجالس التشريعية لها مدة زمنية محددة وغالبا ما يتغير اعضائها.

  3. خطورة محاكاة الأنظمة الأخرى بحيث يميل أعضاء البرلمان لنقل قواعد قانونية بشأن نفس المسائل. ولكن تلك القواعد قد نشأت في مجتمع أخر وقد تكون تلك القواعد المجلوبة غير ملائمة لظروف المجتمع.

الترجيح من وجهة نظر القانون المصري:

نري أن القانون المصري فيه رجحان مزايا التشريع على عيوبه وذلك لأنه تبني التشريع كمصدر رسمي للقانون.

وتفسير ذلك الرجحان من وجهة نظر الفقه القانوني المصري هو ان العيوب التي وجهت إلى التشريع كعملية منهجية، وإنما وجهت لمن يوكل إليهم سلطة التشريع. أيضاً أن تلك العيوب هي عيوب نظرية لأن من يوكل إليهم هذه المهمة على أعلى قدر من الخبرة والدراية، كما أن سن القواعد التشريعية تقوم على أسس علمية مدروسه. وذلك علي نفس خطي معظم الدول، حيث أن التشريع يشّكل المصدر الرسمي الأصلي في معظم القوانين في الدولة الحديثة في الوقت الراهن، حتي الذي يعتمد علي السوابق القضائية من الدول يميل الأن الي تقنينها.


5. أهمية التشريع باعتباره مصدراً للقواعد القانونية.

1- يعد التشريع المصدر الأصلي في غالبية الأنظمة القانونية ويحتل مركز الصدارة وبقية المصادر تعد بالنسبة له مصادر احتياطية.

2- يعتبر مصدرا عاماً للقواعد القانونية وينظم جميع المسائل بفروع القانونية المتعددة.

3- للقواعد التشريعية العديد من المزايا تظهر عندما يقارن بمصادر القانون الأخرى وخصوصا العرف.


بقلم محمد الأنصاري و وليد الفرس


6. المصادر

-المدخل لدراسة القانون – صـ 21، الأستاذ الدكتور عبدالباقى البكرى، الدكتور زهير البشير – جامعة بغداد - المكتبة القانونية.

- كولمبل – مقدمة لدراسة القانون، باريس 1969.

- شمس الدين الوكيل – المدخل لدراسة القانون.

- المدخل للعلوم القانونية ؛ نظرية القانون تأليف عصام أنور سليم -  سنة 2011 - دار الجامعة الجديدة للطبع والنشر والتوزيع

- حسن البغدادى – المدخل للعلوم القانونية.

- المدخل للعلوم القانونية النظرية العامة للقانون - تأليف أحمد شوقي محمد عبد الرحمن - سنة 2005 - منشأة المعارف.

- لمدخل إلى القانون – رمضان محمود أبو السعود – محمد حسين منصور – بيروت – منشورات الحلبى الحقوقية 2003.

- الاستاذ محمدي زواوي فريدة – مدخل الى العلوم القانونية.

- د / زعلاني عبد المجيد – المدخل لدراسة القانون النظرية العامة للقانون.

- د. توفيق فرج، المدخل للعلوم القانونية ، القاهرة: مؤسسة الثقافة الجامعية.

- د / جعفور محمد سعيد - مدخل الى العلوم القانونية الوجيز في نظرية القانون.

- المدخل لدراسة العلوم القانونية - عبد القادر الفار-  2011- دار الثقافة للنشر والتوزيع.

- مدخل إلى العلوم القانونية ؛ الوجيز في نظرية القانون - تأليف محمد سعيد جعفور - سنة 2008 - دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع.



8,975 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page