top of page

تجربة شخصية لطالب قانون من دلتا مصر: مسابقات القانون الصورية


في أول سنة في كلية حقوق جامعة طنطا شفت إعلان عن المشاركة في مسابقة المحاكمة الصورية اللي بتنظمها اللجنة الدولية للصليب الأحمر. للأسف ميعاد الاختبار كان تاني يوم، وكنت محتار أستثمر وقت في الموضوع ولا أركز أحسن في دراستي لأن الموضوع عملياً صعب لأني مستحيل بقدرتي في الوقت ده أجهز مرافعة قانونية واتدرب عليها في يوم واحد. لكن قررت إني أبحث علي الانترنت على أمثلة مرافعات استدل منها علي طريقة المرافعة كما يجب ان تكون، ملقتش حاجة معينة بس لقيت مرافعة للنيابة العامة في حادثة قطر شهيرة حفزتني أكثر إني أروح وأجرب. بالفعل اليوم اللي بعده ترافعت لأول مرافعة في حياتي، بس كانت للأسف مرافعة ضعيفة، بالذات بالمقارنة مع زملائي اللي كانوا كلهم دراسات عليا وأنا في سنة أولي. يمكن ديه كانت مرحلة محرجة، مرحلة قصور، مرحلة خيبة، ولكنها كانت المرحلة الأولي وبداية لمرحلة نجاح وتحقيق للذات.





بعيداً عن توقعاتي، تم اختياري ضمن الأفراد الستة المكونين لفريق الكلية. بدأنا نجهز للمسابقة، ولكن القضية مكانتش نزلت، بس كان معروف إنها هتبقى في مجال القانون الدولي الإنساني وأنا كان كل معرفتي بالقانون الدولي هو اللي أخدته في المنظمات الدولية في سنة أولي، فنزلت جبت كتب في القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، وكانت أول مرة أقرأ في كتب قانونية بعيداً عن اللي باخده في مناهج الكلية. كنت مستمتع جداً وأنا بتعلم حاجة جديدة ومختلفة وبطريقة عملية. وبعدها نزلت القضية واشتغلنا شهر وحصل ظروف وبقينا في الفريق أربع أفراد بدل ستة! رحت المسابقة أول يوم وبدأت أول ماتش أترافع بمرافعتي كفريق الادعاء اللي كانت بسيطة جداً، ولكن أسئلة القضاء خلال المسابقة خلتني أقدر اطلع المعلومات اللي قريتها في الكتب وبحثت عنها، وفي تاني يوم في المسابقة صعدنا للدور نصف النهائي، وكان فريق الدفاع مننا هو اللي هيترافع، وحصل حاجة قبل الماتش ب ٥ دقايق، إنها زميلتنا اللي كانت ضمن الدفاع تعبت وكان لازم حد يدخل مكانها فدخلت مكانها ومكنتش متدرب علي دورها، بس لعبت ماتش من أحلي الماتشات في حياتي! ساعة إعلان النتيجة أخدت جائرة (أفضل مترافع بالمسابقة)، المسابقة دي بالذات أثرت فيا، بسبب بعد ما كان ترتيبي السادس في الفريق أوصل إني اخد أفضل مترافع بالمسابقة. اتعلمت فيها إنه مفيش حاجة مستحيله، وإن سنك الصغير دا ميوقفكش، ولا أنك تكون في جامعة من الأقاليم يخليك تبطل تحاول!

حسيت أن الMooting غير في شخصيتي جداً! فقررت أدخل مسابقة جديدة في مجال تحكيم منازعات الاستثمار أسمها FDI moot، كونت فريق وبدأنا بنفس الطريقة ندور في مجال جديد مش بندرسه في الكلية كان كلنا في سنة تانية وبندرس علي Coursera عشان بس نفهم يعني ايه تحكيم! ونخش مسابقة قد تكون من أقوي مسابقات ال Mooting وفريقنا اشتغل علي كل الغلطات اللي غلطها في المسابقة اللي قبلها، وقدرنا فعلاً نوصل للدور نصف النهائي! المرة ديه فريقي محققش المركز الأول ولا أنا حققت أفضل مترافع، بس حسيت اني اتعلمت كتيير جداً. من التجربة ديه إتعلمت جداً إن المكسب مش في تحقيق المركز الأول، بس في الناس اللي الواحد عرفها واتعامل معاها، المكسب في العلم والمهارات اللي الواحد أكتسبها. مش مهم انك تكسب المسابقة بس المهم إنك تكون أتعلمت واتطورت: الكنز الحقيقي بيكون في الرحلة مش في النهاية.

تجربة الMooting بصفة عامة خلتني شخص منظم في حياتي، قدرتي علي التحليل أتغيرت، وبقيت بحب أناقش مع نفسي -علي الأقل- المواد اللي بدرسها، وأحاول أربط بينها وبين الواقع العملي، ملكتي القانونية اتطورت بشكل غير عادي! ومهارات التواصل مع الناس وإني ابقي مقنع في آرائي، وكمان بقيت أشطر في الكلية وجبت ال ٣ سنين امتياز! أتعرفت علي ناس من مصر كلها ودا ملهم لأني بأثر وبتأثر بنماذج أكثر. أقارن نفسي أنا فين كل فترة وأيه اللي محتاج اتطوره.




أنا حالياً في ثالث مسابقة Mooting وكل دا واحنا مش معانا Coach زي المسابقات اللي قبلها علشان احنا أول جيل يدخل مسابقات ال Mooting في جامعتي ممكن يكون اللي عملناه صغير!بس لعل اللي عملناه في النهاية يكون مثل أثر الفراشة – كما يصفه الشاعر «محمود درويش» – لا يُري، ولكنه أيضاً – وتذكر ذلك جيداً – لا يزول! أثر الفراشة لا يُري، وأثر الفراشة لا يزول! إذا رفرفت فراشة بجناحيها في الصين في أقصى الشرق، فإن تأثير هذه الرفرفة في حد ذاته ضعيف، شيء لا يذكر تقريبًا، وبمرور الوقت يمكن لهذه الرفرفة أن تؤدي إلى حدوث اضطرابات وتموجات في الهواء، وفي فترة زمنية معينة، بعد عام على سبيل المثال يمكن أن تساهم في حدوث إعصار في أمريكا في الناحية الأخرى من الكرة الأرضية، أو لعلها قد تساهم ألا يحدث إعصار في مكان آخر، تساهم في حدوث الإعصار أو تمنعه لكنها ليست السبب الرئيسي في أن يحدث بالطبع.



في النهاية حبيت أشارككم بعض النصائح اللي كذا شخص نصحها لي وفعلاً ساعدتني:

أولاً: بالنسبة لجانب الاستعداد والتهيئة النفسية قبل المشاركة: إنك تسأل نفسك ليه هشترك في المسابقات؟ هستفيد بإيه؟ وتتخيل بعد مشاركتك هتوصل فين؟ وهل مجال المسابقة دا فعلاً اللي عايز تتعلمه ام لأ؟ ثانياً: سبب نجاحك هو فريقك، فلازم تساعدوا بعض وتطوروا من بعض، وتقبلوا اختلافات بعض، ونجاح شخص واحد للفريق فهو نجاح ليكم كلكم. تشتغل إنك تطور تنظيم وقتك ومهاراتك الشخصية زي التواصل والعمل الجماعي..الخ ثالثاً: بالنسبة للمسابقة اللي عايز تشترك فيها: أ- قبل ما تبدأ المسابقة لازم تكون عارف ليه عملوا المسابقة دي؟ ايه الغرض العلمي الأساسي من المسابقة، علي سبيل المثال مسابقة vis moot معمولة علشان تروج وتزود معرفة الطلاب باتفاقية الأمم المتحدة لعقود البضائع الدولية CISG، فدا هيبتدي يساعدك أنك توصل للاستفادة المتوقعة للمسابقة. رابعاً: وبالنسبة للمسابقة نفسها لازم تقرأ الوقائع مرة بوجهة نظر عامة ومرة من وجهة نظر الطرف الأول ومرة من وجهة نظر الطرف الثاني، ومرة من وجهة نظر القاضي أو المحكم. لازم تعرف القانون الواجب التطبيق علي القضية، وإيه مصادره؟ هتبتدي تعمل بحث ازاي؟ تعرف ال Issues المطلوبة منك؟ وتبدأ تطبق طريقة IRAC علي issues . بالنسبة لكتابة المذكرات لازم تطلع علي أفضل المذكرات للنسخ السابقة من المسابقة. لازم تحاول توصل المعني بشكل بسيط لو حد من خارج المجال القانوني يقدر يفهمه إذا استطعت. - تشوف ال Guides اللي مسابقة منزلاها و Rules بتاعة المسابقة. بالنسبة لمرحلة المرافعة لازم تشوف علي Youtube فيديوهات الدور النهائي للنسخ السابقة. لازم تشوف ال Guides اللي بتنزل تبع المسابقة. لازم تدرب مرة وأتنين وتلاتة علي المرافعة، تتوقع الاسئلة اللي ممكن تتسأل وتستعد ليها. تدرس دماغ الطرف الثاني وازاي هتتعامل معاه. أثناء ماتشات المسابقة حاول تستفيد بأكبر قدر من تعليقات القضاة أو المحكمين. أتعرف علي زملائك وإبني علاقات مش لازم تكسب بس دور أنك تحقق أقصي أستفادة.

أخيراً: و بعد المسابقة قيم الفترة اللي فاتت وحدد عيوبها وميزاتها. حدد لو دخلت مسابقة بعد كده، هتستفيد ازاي من غلطاتك. لازم توثق رحلتك طول المسابقة بكل التفاصيل، علشان زمايلك اللي بعدك يقدروا يطلعوا عليها وتساعدهم من وجهة نظرك. لازم تشوف تأثير التجربة دي، ومتقفش عندها وتبتدي تدور علي الخطوة اللي بعدها واللي هتخليك تكمل إجابة أول سؤال سألته لنفسك فوق.


الشيء البسيط الذي بنحاول نعمله طوال الوقت ممكن يوصل بنا إلى شيء أكبر بعد كده، وأن المعادلة بتتأثر بوجود أثر كل واحد فينا، حتى ولو كان وجوداً بسيطاً.


محمد أحمد عوني

طالب قانون بجامعة طنطا

345 views0 comments
bottom of page